أـ الجمع:
ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله قول الجمع بين هذه الروايات فقال: "والجمع بينها أن الستين كنّ حرائر، وما زاد عليهن كنّ سراري، أو بالعكس. وأما السبعون فللمبالغة، وأما التسعون، والمائة؛ فكنّ دون المائة وفوق التسعين، فمن قال (تسعون) ألغى الكسر، ومن قال (مائة) جبره. ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر(25 )"(26 ). وقال: " قلت : والذي يظهر مع كون مخرج الحديث عن أبي هريرة، واختلاف الرواة عنه أن الحكم للزائد، لأن الجميع ثقات"(27 ).
ب ـ الترجيح:
سلك الإمام البخاري رحمه الله مسلك الترجيح حيث ذكر قول شعيب وأبي الزناد وهو: التسعين، ثم قال: " هو أصح "(28 ).
وغير خافٍ على من له إلمام بمنهج المحدثين أنهم اختاروا هذا المنحى المحتاط في الجمع أو الترجيح، في الحكم على الروايات الصحيحة التي اختلفت لئلا يرفضوا ما هو صحيح.
وكذلك منحوا من ليس عنده علم بالحديث قاعدة واضحة لئلا يقع في رفض الأحاديث الصحيحة لمجرد وقوع نوع من الاختلاف في رواياتها.
وبهذه الدقةِ في الاصطلاح قد صانوا أنفسهم من الحكم الصبياني على الحديث من جهة، ومن جهة أخرى منعوا أدعياء العلم بالحديث من التلاعب به كيف يشاءون(29 ).
2- أن الشك في الراوية لا يبطل العمل بالحديث الصحيح:
فإن صحة الحديث توجب القطع به، كما قال ابن الصلاح في الصحيحين وجزم بأنه هو القول الصحيح( 30).
قال السخاوي: " وسبقه إلى القول بذلك في الخبر المتلقي بالقبول الجمهورُ من المحدثين والأصوليين، وعامة السلف، بل وكذا غير واحد في الصحيحين"( 31).
قال أبو إسحاق الإسفراييني : " أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوعٌ بصحة أصولها ومتونها، ولا يحصل الخلاف فيها بحال، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها ورواتها، فمن خالف حكمه خبراً منها وليس له تأويل سائغ للخبر؛ نقضنا حكمه، لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول"(32 ).
وقال ابن حجر : " وقد يقع فيها ـ أي في أخبار الآحاد ـ ... ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار خلافاً لمن أبى ... والخبر المحتف بالقرائن أنواع : منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر، فإنه احتفت به قرائن منها : جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر"(33 ).
وبهذا يُعلم أن مثل هذا الشك في الراوية لا يقدح في الحديث الصحيح لا سيما ما كان في البخاري أو مسلم . وقد وردت أحاديث بمثل هذا وتلقاها العلماء بالقبول والعمل، ومن ذلك حديث جابر رضي الله عنه في قصة بيعه للجمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم( 34)، فقد اختلف الرواة في قدر الثمن بما هو أكثر اختلافاً من الاختلاف في عدد النساء هنا .
الشبهة الثانية : أن سليمان عليه السلام قد رفض الاستثناء ولا يقع ذلك من نبي:
ومحصل هذه الشبهة مركب من أمور هي :
1- أن سليمان عليه السلام قد رفض هذا الاستثناء .
2- أنه لا يقع ذلك من نبي.
3- أن ما فعله سليمان عليه السلام لا يكون نسياناً بعد التذكير.
قال الكردي : " كيف يُذَكَّر نبيٌ عظيم من أنبياء الله تعالى ـ وهو سليمان الحكيم ـ الذي سُمي بذلك لحكمته ورجاحة رأيه، بضرورة الاستثناء بإن شاء الله فيرفض أن يقولها؟!، ومن الغرائب ما ورد في أحد طرق الحديث من أن سليمان ـ بعد ما ذكّره صاحبه ـ لم يقل ونسي( 35)، هذا في حين أن النسيان قد يقع عند عدم التذكير، أما إذا ذكر الإنسان بقول شيء، ومع ذلك لم يقله، فهذا لا يسمى نسياناً!"( 36).