وإن اشتَبَه بطَاهِر تَوَضَّأ منهمَا وُضُوءاً واحداً، مِنْ هذا غَرْفَةٌ، ومن هذا غَرفةٌ، وصَلَّى صلاةً واحدةً.
قوله: «وإِن اشتَبَه بطَاهر تَوَضّأ منهمَا وُضُوءاً واحداً، مِنْ هذا غَرْفَةٌ، ومن هذا غَرفةٌ، وصَلَّى صلاةً واحدةً» ، هذه المسألة لا تَرِدُ على ما صحَّحناه؛ لعدم وجود الطَّاهر غير المطهِّر على القول الصَّحيح، لكن تَرِدُ على المذهب، وسبق بيان الطَّاهر.
مثاله: ماء غُمِسَ فيه يدُ قائم من نوم ليل ناقض للوُضُوء، فإِنَّه يكون طاهراً غير مطهِّر، وماء طَهُور اشتبه أحدهما بالآخر، فلا يتحرَّى ولا يتيمَّم؛ لأنَّ استعمال الطَّاهر هنا لا يضرُّ؛ بخلاف المسألة السَّابقة التي اشتبه فيها الطَّهور بالنَّجس، فإِنه لو استعمله تنجَّس ثوبه وبدنه، وعلى هذا فيتوضَّأُ وُضُوءاً واحداً من هذا غرفة، ومن هذا غرفة؛ لأجل أنَّه إِذا أتمَّ وضوءه، فإِنه تيقَّن أنه توضَّأ بطَهُور فيكون وضوؤُه صحيحاً.
فإن قيل: لماذا لا يتوضَّأ من هذا وضوءاً كاملاً، ومن الآخر كذلك؟
فالجواب: أنه لا يصحُّ لوجهين:
الأول: أَنه لو فعل ذلك لكان يخرج من كلِّ وُضُوء وهو شاكٌّ فيه، ولا يصحُّ التردُّد في النيَّة.
الثاني: أَنه إِذا توضَّأ وُضُوءاً كاملاً من الأوَّل، وقدَّرنا أنَّه هو الطَّهور ثم توضَّأ وُضُوءاً كاملاً من الثَّاني الذي هو الطَّاهر، فرُبَّما يجزم في الوُضُوء الأول، أو يغلب على ظنِّه أنَّه استعمل الطَّهور في غسل اليدين والطَّاهر في غسل الوجه، وفي الوُضُوء الثاني أنه استعمل الطَّاهر في غَسْلِ اليدين والطَّهور في غَسْل الوجه، فيكون غَسْلُ الوجه، الذي حصلت به الطَّهارةُ؛ بعد غَسلِ اليدين وذلك إخلالٌ بالتَّرتيب.
ولا يُقال: إِنه باجتماعهما حصل اليقينُ؛ لأن أحدهما حين فعله له كان شاكًا فيه غير متيقِّن، ويُصلِّي صلاةً واحدة.
وقال بعض العلماء: يتوضَّأ أولاً ثم يُصلِّي، ثم يتوضَّأ ثانياً ثم يُصلِّي؛ لأجل أن يتيقَّن بالفعلين أنه توضَّأ وضوءاً صحيحاً، وصلَّى صلاةً صحيحةً.
وأمَّا على القول الرَّاجح فهذه المسألة ليست واردةً أصلاً؛ لأن الماء لا يكون طاهراً، بل إِما طَهوراً، وإِما نجس.
وإِن اشْتَبَهَتْ ثيابٌ طاهرةٌ بنجسةٍ .............
قوله: «وإن اشتبهت ثياب طاهرةٌ بنجسة...» ، هذه المسألة لها تعلُّق في باب اللباس، وفي باب ستر العورة في شروط الصَّلاة، ولها تعلُّق هنا، وتعلُّقها هنا من باب الاستطراد؛ لأن الثِّياب لا علاقة لها في الماء.
مثال هذه المسألة: رجل له ثوبان، أحدهما نجاسته متيقَّنة، والثاني طاهر، ثم أراد أن يلبسهما فشكَّ في الطَّاهر من النَّجس، فيصلِّي بعدد النَّجس ويزيد صلاة؛ لأنَّ كلَّ ثوبٍ يُصلِّي فيه يحتمل أن يكون هو النَّجس، فلا تصحُّ الصَّلاة به، ومن شروط الصَّلاة أن يُصلّيَ بثوب طاهر، ولا يمكن أن يُصلِّي بثوبٍ طاهر يقيناً إِلا إِذا فعل ذلك.
فإِن كان عنده ثلاثون ثوباً نجساً وثوب طاهر، فإنَّه يُصلِّي واحداً وثلاثين صلاة كلَّ وقت، وهذا فرضاً، وإلا فيُمكن أن يغسل ثوباً، أو يشتريَ جديداً، هذا ما مشى عليه المؤلِّف.
والصَّحيح: أنه يتحرَّى، وإِذا غلب على ظَنِّه طهارة أحد الثِّياب صَلَّى فيه، والله لا يكلِّف نفساً إلا وسعها، ولم يوجب الله على الإِنسان أن يُصلِّيَ الصَّلاة مرتين.
فإن قلت: ألا يحتمل مع التحرِّي أن يُصلِّيَ بثوب نجس؟
فالجواب: بلى، ولكن هذه قدرته، ثم إِنَّ الصَّلاة بالثَّوب النَّجس عند الضَّرورة، الصَّواب أنها تجوز. أما على المذهب فيرون أنك تُصلِّي فيه وتُعيد، فلو فرضنا أن رجلاً في الصَّحراء، وليس عنده إِلا ثوبٌ نجسٌ وليس عنده ما يُطهِّر به هذا الثوبَ، وبقي شهراً كاملاً، فيُصلِّي بالنَّجس وجوباً، ويُعيد كلَّ ما صَلَّى فيه إذا طهَّره وجوباً.
يُصلِّي لأنه حضر وقت الصلاة وأُمِرَ بها، ويعيد لأنَّه صلَّى في ثوب نجس.
وهذا ضعيف، والرَّاجحُ أنَّه يُصلِّي ولا يعيد، وهم ـ رحمهم الله ـ قالوا: إِنَّه في صلاة الخوف إِذا اضطر إلى حمل السلاح النَّجس حَمَلَه ولا إعادة عليه للضَّرورة، فيُقال: وهذا أيضاً للضَّرورة؛ وإِلا فماذا يصنع؟
أو بمحرَّمةٍ صلَّى في كلِّ ثوبٍ صلاةً بعددِ النَّجس أو المحرَّم، وزَاد صلاةً............
قوله: «أو بمحرَّمةٍ صلَّى في كلِّ ثوبٍ صلاةً بعددِ النَّجس أو المحرَّم، وزَاد صلاةً» ، أي: إذا اشتبهت ثيابٌ محرَّمةٌ بمباحة، هذه المسألة لها صورتان:
الأولى: أن تكون محرَّمة لحقِّ الله كالحرير.
فمثلاً: عنده عشرة أثواب حرير طبيعي، وثوب حرير صناعي فاشتبها؛ فيُصلِّي إِحدى عشرة صلاة، ليتيقَّن أنه صَلَّى في ثوب حلال.
الثانية: أن تكون محرَّمةً لحقِّ الآدمي، مثل إِنسان عنده ثوب مغصوب وثوب ملك له، واشتبه عليه المغصوب بالمِلْك، فيُصلِّي بعدد المغصوب ويزيد صلاة.
فإن قيل: كيف يُصلِّي بالمغصوب وهو مِلْكُ غيره؟ ألا يكون انتفع بملْك غيره بدون إِذنه؟
فالجواب: أنَّ استعمال مِلْكِ الغير هنا للضَّرورة، وعليه لهذا الغير ضمان ما نقص الثوبُ، وأجرتُه، فلم يُضِعْ حقَّ الغير.
والصَّحيح: أنه يتحرَّى، ويُصلِّي بما يغلب على ظَنِّه أنَّه الثَّوب المباح ولا حرج عليه؛ لأن الله لا يكلِّف نفساً إلا وسعها.
ولو فرضنا أنه لم يمكنه التحرِّي لعدم وجود القرينة، فإِنه يصلِّي فيما شاء؛ لأنه في هذه الحال مضطر إلى الصَّلاة في الثَّوب المحرَّم ولا إعادة عليه.
ثم إِن في صحة الصَّلاة في الثَّوب المحرَّم نزاعاً يأتي التَّحقيق فيه إن شاء الله.