لا إله إلا الله لا نعبد فى الكون سواه هو خلقنا
ورزقنا ويرزقنا
وكل لحظة بل طول عمرنا لو ظللنا نحمده فلن نشكر له نعمة واخده مما انعمها علينا بفضله
«لا إله إلا الله».. نفي وإثبات، نفي الألوهية عن كل ما عداه سبحانه، وإثباتها له فقط، فهو وحده الإله ولا معبود بحق إلا هو، ولا صمد بحق إلا هو، فلا تعبد شجرا ولا حجرا، ولا تعبد الإنسان أياً ما يكن، ولا تعبد المادة، ولا تعبد الذهب ولا الزوجة ولا الولد، ولا تعين الظالم على ظلمه، ولا تؤيد الحاكم إذا جار في حكمه، فلا تركع لطاغية ولا تدُر حول صنم ولا وثن، (.... وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا)[الإسراء: 39].
وكيف يدعو عاقل مع الله إلها آخر وهو وحده الخالق الرزاق، وهو القدير المدبر، والأرض جميعا قبضته والسماوات مطويات بيمينه، وكيف يعقل عاقل أن يجتمع على الكون أكثر من إله، ألا يكون ذلك مدعاة لفساد الخلق والخليقة؛ (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا)[الأنبياء: 22].
فـ«لا إله إلا الله» إقرار بأن الحكم لله وحده؛ (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ)[الأنعام: 57]، فلا حكم إلا لله، ولا شرع ولا تشريع إلا من الله، فالسلطان كله لله، فهي تُحرِّرك من سلطان العبيد، ومن سلطان الشهوات، ومن سلطان الهوى، وسلطان النوع والجنس واللون، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بتقوى الله، وبمقدار ما في قلبه ووجدانه مِن «لا إله إلا الله».
فرُدَّ الأمر كله لله، ثم تقبّل عن رضى وطواعية كل ما يقضي به الله، فكل ما يقضي به الله هو من عظيم عدل الله، وكريم فضل الله، وفيض كرم الله فـ«لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون».
فتعيس كل من عبد غير الله، وتعيس كل من اتخذ له إلها سواه، وتعيس كل من اتخذ إلهه هواه؛ (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا)[الفرقان: 43].
وكما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ»(أخرجه البخاري وابن ماجه).
فتبرأ أخي وتبرئي أخيتي من كل عبادة لغيره، ومن كل إله غيره.. فاللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.
«لا إله إلا الله»، من قالها بحقها دخل الجنة، وهنا يسأل أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟! فيقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ»، ويكرر أبو ذر السؤال متعجبا، ويكرر النبي الإجابة مؤكدا ثقته فيما أُوحي إليه، فلمّا كرّر أبوذر السؤال ثلاثا، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ»(أخرجه البخاري ومسلم).
فما هي هذه الكلمة وما مدلولاتها.. وما سر عظمتها، وكيف تُدخل قائلها الجنة حتى وإن زنى وإن سرق؟!
ما هي؟ وما كنهها؟ وهل هي كلمة تقال باللسان، أم يشار إليها بالبنان؟
نعم إنها لتقال باللسان، ويشار إليها بالبنان، لكن.. لكن كيف يكون قلبك ساعتئذٍ؟ وكيف تكون جوارحك؟ كيف تقال حين تقال حتى تُدخلك الجنة؟! لابد من تفاعل كل خلايا جسمك وكل أعضائك، لابد أن ترتعد كل أطرافك وكل أعصابك، لابد أن يقشعر جلدك، وينكسر جفنك، وتدمع عينك، لابد أن يخفق قلبك ويصفو عقلك، لابد أن تهون الدنيا كل الدنيا، فتسمو روحك، وتتخلص من الطين وكل ما على الطين، لابد أن تتحرر من ربقة الأرض، وربقة الجاذبية.
تُقال.. وقد خلا الذهن من كل ماعدا الله،
تقال.. وقد تحررت النفس من كل ما هو سواه،
تقال.. بكل ثقة في أن النافع هو الله والضار هو الله،
تقال.. بكل ثقة في أن رزقك واصلُك وإن منعك العباد،
تقال.. بكل ثقة في أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك،
تقال.. وقد تضاءلت في عينيك كل الدنيا، وخَفَت صوت إغرائها، وانطفأ في صدرك لهيب الشوق لها والتعلق بها،
تقال.. وقد خبا في عينيك بريق تبرها وتساوى مع ترابها،
تقولها.. وقد تراجعت المرأة بإغرائها إلى حقيقة حجمها وقل عليك تأثيرها،
تقولها.. وقد تضاءل في عينك طواغيت الأرض وطغاتها،
تقولها.. وقد تساوى في عينك الحاكم والمحكوم، فتنصح الظالم وتعين المظلوم،
تقولها.. وقد امتلكت الدنيا في يدك بعد أن خلا منها قلبك، مرددا: يا دنيا غُرِّي غيري.
فـ «لا إله إلا الله» استسلام ما بعده استسلام، وتصديق لا يشوبه شك، فلا وألف لا لأيّ إله، ولا لأي أحد، لا لأي فكر، لا لأي خوف ولا لأي عبودية.. فالعبودية له وحده، والذلة له وحده، والمسكنة له وحده، والخضوع له وحده، والخشوع له وحده، والاستسلام له وحده، والانقياد له وحده، فلا يصح أن نسلم قيادنا لأكثر من قائد، ولا نطيع أكثر من آمر، ولا نعبد أكثر من إله؛ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا)[الزمر: 29].
فوالله الذي لا إله إلا هو لو قلتها واستشعرتها وعملت بها لتشعرن بأنك فوق البشر، لا يخيفك أحد ولا تحنى رأسك لأحد، وستشعر بعِزة ما بعدها عِزة، وحرية ما بعدها حرية، ووضوح هدف، فلا تمزُّق ولا تشتُّت، ولا تنازعك نفس ولا هوى، بل استقرار نفس وراحة بال، فلا أمراض نفسية ولا اضطرابات عقلية.